الخميس، 30 أكتوبر 2008

العقل الكوني واندماج المصير



























مستويات العقل :











التدرج النسبي التوافقي يتم عند الانتقال من المستويات الدنيا للعقل إلى المستوى الكلي عندما يبدأ من التواجد السطحي المرتبط بالكينونة المادية إلى المستوى الكوني المرتبط بالمعرفة الكلية واليقينية عندها يندمج ويتداخل مع العقل الكوني قاطعاً ثلاث مستويات فاعلة .











آ – المستوى الأول :











هو مستوى ابتدائي أولي فاعل ضمن مجرى العمليات الأولية في الميكانيك الكمي والميكانيك التموجي ( الكوانتوم ) لأن المادة ضمن هذا النظام الفيزيائي حافلة بنشاط متعمق في النشوء الحي وغير الحي بعيداً عن العطالة العقلية والسكونية إنها حركة حيوية نشيطة وزاخرة بالتقلبات وعاملة في وسط عالي الفاعلية والترابط المنسجم مع كل مكوناته الكمية في اتساعها الكوني اللامحدود إنها متوافقة في أي عالم كوني ، إنها لا تماثل ذاتها فحسب بل تقوم على وعي ذاتها بتجرد عن طبيعتها فالحركة توافقية ومتفقة مع وضعها التي هي في نظامه . إن كل حركة كوانتية تلزم المادة على القيام بسلسلة من الاختيارات الفاعلة غايتها الأساسية إحياء روح التماثل في النظام الطبيعي للوجود .











فالعقل الكوني مستقل بذاته وعملياته الارتباطية اللانهائية تنبثق على شكل طاقة غير محددة المصدر ولا مركزية النشوء تملك القدرة على اتخاذ القرار في كل عملية صادرة ومتأصلة في كل إلكترون توجه حركته النوعية بدون أن تصل إلى هذه الحركة أو تتداخل معها . فالتوجيه يتم في صميمية الحركة لأنها منسجمة مع الطاقة الكونية .











ب – المستوى الثاني :











هو المستوى المندمج مع الوعي المتداخل مع مصدره الفاعل بدون الارتباط به ، وهذا ما يجعل العقل البشري جهاز معقد من العمليات الفكرية الحيوية المتطابقة مع وعيه لها والقادرة على توجيه الذات الفردية وتحدد سماتها الفاعلة فالشخصية الفردية مشكلة من أجهزة متداخلة مع بنية العقل تعمل لتوسيع مكوناته الأساسية الفاعلة في الخيارات الموجيه التي تضعها الذرة داخل العقل البشري بشكل يعطي الدليل على أن الكون بكل مكوناته الكلية والشمولية تلائم وجود العقل وتندمج معه وتغذيه بطاقة الوعي .











ج – المستوى الثالث :











هو المستوى العقلي المتشكل على كامل الوجود الكوني والمكون له إنه عقل لا مركزي وغير صادر عن طبيعة حركية أو سكونية أو مجال حقلي تموجي غير قابل للتجزء أو الانقسام إنه حاضن وجامع كل محتوى عقلي مهما كانت طبيعته لأنه وعي كوني وكلي لا يحدد بسرعة فهو قائم خارج الانتقال .











ولا يدخل في نظام الزمن لأنه صيغة الديمومة المتفرقة في الوجود بشكل كلي وغير محدد الأبعاد لأن انتشاره كلي وبدون اتجاه .






















العقل الكوني مندمج في الواقع الكوني بدون تداخل











الفيزياء علم يتناول المادة بطبيعتها وحركتها ومواصفاتها وجميع تداخلاتها إنه يحدد الميزات النادرة في المادة ويتعمق في الكشف عن كل ما يتعلق بها . الفيزياء تهدف إلى الكشف عن الحقائق المتجلية في شموليتها وما تحتويه الأبعاد الكاملة للحياة . في المجرى التاريخي التناسقي لعلاقة الإنسان بالكون تحدث الصوفيون كثيراً عن العقل الكلي ودوره في وحدة الوجود وتفاعله مع الكينونة الإنسانية واستقلال ميزاته ومكوناته عن الوجود .











أما العلماء النظريين فقد عاينوا ودرسوا الوحدة الشاملة للوجود في تماثلها الكلي والخصائص التكوينية والبنيوية الأساسية والوحدات البدائية الأصغرية للمادة إنهم يدرسون المادة المتناهية في الصغر .











فالتماسك الطبيعي المترابط بين مكونات الوجود وعلاقاته التفاعلية والسببية المتكاملة لاعطاء الوجود طاقة هائلة تعبر عن نفسها في مضامين وخصائص ماهيتها والبحث عن كينوناتها ومؤثراتها والقوى الغامضة في بنيتها وما يرافقها من تلازم حي وغير حي بمعنى التلازم العقلاني للعقل في دوامة الكون بعيداً عن الدائرة العضوية ، لأنه المحرك الجوهري للوجود من خلال التأثير الكلي اللحظي لكامل المحتوى الكوني وما يرافقه من نشاطات حية وجوهرية .











قدرات الأوكسجين مثلا تملك نفس التماثل الوزني ونفس الكتلة وجميع الكتروناتها ذات كتلة واحدة ومتماثلة في الدور والشحنة ، فالدقة البالغة التمام تجعل من المستحيل إنجاز مكافئ لوجودها وغير قادر على صنع ما يماثلها وهذه الدقة تنطبق على جميع الخصائص المكونة للمادة فالمادة العالية الدقة في التكوين والمعدة لقيام بوظائف بالغة الأهمية تجعلها لغزاً محيراً للعقل البشري ومجال نشاط معرفي دلالي لكشف الماهية المتوافقة والغير متمايزة مع هذه الكينونة المادية بخصائصها الذاتية وفي تراكيبها البنيوية .











في واقع الوجود الكوني تتحدد الكينونات وتتمازج مع بعضها البعض دون أن تفقد هويتها الخاصة بها ضمن الظروف المواتية لها والمعينة في إطار وجودها وهذا يدل على أن الوجود الطبيعي للحياة متحد على نحو واحد في عمقه الجوهري وهذه الوحدة ناتجة عن طبيعة التكون المتماثل لهذا الوجود . والأصل الواحد لطبيعة العقل ووحدة الحياة في ذواتها الأصلية .











وعلى الرغم من كون الكينونة مهما كانت طبيعتها مركبة من ذوات مختلفة في سماتها يمكن أن تفقد هويتها لحد ما غير أنها تبقى مستفردة في ذاتها ولا تندمج بشكل يفقدها تمايزها النوعي الخاص في وجودها إنها تحتفظ في واقع الوجود بعددها المرتبط بهذه الكينونة .











مما يدل على أن الفردية تحتفظ لذاتها كيانها الخاص بها بشكل يجعلها وكأنها تتناقض مع حركة الوجود السائر بالاتجاه الموافق لقيام وحدته الطبيعية .











" لقد أوضح هنري مارغنو الفيزيائي الشهير بأن النيترونات والبروتونات عندما تنفصل عن بعضها في المكان وهي غير متفاعلى يكون إحداها محايداً في الشحنة والآخر موجب الشحنة وعندما يقتربان من بعضهما بالنحو الكافي تختفي هويتهما وتندمج خصائصهما ويصبح التميز بينهما أمراً مستحيلاً ومع ذلك يكونان كينونتين اثنتين فالعالم النووي مكون من قوى أساسية مختلفة تعتمد قدرتها على طاقة الكينونات المتفاعلة فيما بينها وعلى المستوى الصغير للطاقة يختلف شدة هذه القوى كثيراً وما يدهشنا أن هذه القوى تتعادل مما يدل على وجود الوحدة "











مجلة المعرفة – العدد 470 دمشق ص 18 ندرة اليازجي











ليس في المجال الذري وحده يمكن إيجاد الوحدة والتواصل والحياة أو الاندماج المعبر عن الكلية المحايدة المعززة بالقدرة ، فالمجال الكوني اللامحدود يعبر عن ذاته ويدل على وجود العقل فالعقل البشري مثلاً يشكل في معارفه رؤية واحدة عن العالم المادي المحيط به إنه يتخذ مفاهيم لمدلولات مادية تنسجم في وجودها مع كافة العقول البشرية فالعقول جميعاً تشكل صوراً متماثلة عن الموجودات المادية الواقعة خارج مادية العقل مما يدل على أن جميع العقول البشرية ذات طبيعة واحدة بالرغم من انفصالها المجرد وهذا ما يقودنا إلى إمكانية رؤية الوجود الكوني بعقل إنساني واحد ولكن غير متحد عضوياً ، فالعقول جميعاً تحدد من خلال الحواس إدراكات متماثلة لمظاهر محددة خارجياً كالجيل مثلاً بالرغم من أن جميع العقول غير متشابهة وغير متتطابقة مهما بلغت صفات التماثل فيها .











فالتحديدات المنحوتة عبر المفاهيم والمأخوذة من واقع الحياة هي مآثر عظيمة للعقل البشري فهي تشكل إشارات تراكمية عميقة المدلول تتابعت في النظم العقلية ضمن مسير تطوري مثل التآخي والحب والمجتمعية إنها غير منطبقة على طبيعة الحياة لأن العقول تكون الأحادية لديها على شكل مشخص فهي تنقل العقل الكوني اللامنتمي إلى التحديد والتوصيف إنها تطابق الأسماء مع معنى كوني أبعد من أن يكون مجرد ومحايد . إن وعي الشمول الكوني يعيش دائماً خارج الزمان وخارج النمو والحركة . فالنمو والحركة متواجدان في وعيه ويحيط الزمن في وعيه إنه عقل محض خارج إطار الكينونة .











العقل الكوني مجال ما فوق مادي











يدرس علم الفيزياء مسائل ارتقائية مرتفعة عن مسائل الواقع المادي من خلال إدراكه لطبيعة المجال . فالعقل الميكانيكي لينوتن عقل تجريبي يتعامل مع الحركة المحسوسة والسرعة المحسوسة والطاقة المحسوسة فهو لا يخرج عن إطار الزمان والمكان وهذا ما يجعله عقلاً محدداً يفتقر إلى الوعي الأكثر بعداً ، أما نسبية أنشتاين فإنها تتجاوز العالم المحسوس إلى ما هو أبعد من المحسوس إنها تعزز التغيير اللامتناهي في الكون عندما يأخذ التحويل مجراه بسرعات معادلة لسرعة الضوء مما يغير الكثافة المادية إلى طاقة غير أنها مغاسة بالزمن لكنه زمان متسع بدرجة هائلة غير أنه قابل للقياس العددي أما فيزياء الكم والفيزياء الكوانتية فإنها ترتقي إلى أبعد من الموجودات المادية وتعالج مسائل حيوية مترافقة مع وجودها بما يدعى بالمجال أو الحقل فالتأثيرات التي تولدها يرافقها مجال كالمجال المغناطيسي والكهربائي والحراري إنه مجال مترافق معها ومنفصل عنها وقد توصلت الفيزياء إلى مجالات أبعد ما تكون عن المادية مثل مجال الطاقة المشعة ومجال الاحتمال وهو جوهر الفيزياء الكوانتية ، ويتعزز الاعتقاد في مجال البيولوجيا بأن العقل لا يعتمد على المكونات المادية الجسدية والدماغية بل يأخذ وعيه من مجال أوسع متفاعل مع وجود فيزيقي فالوعي المادي والمعرفة بمعنى المعلومة ومجمل المعارف الحسية والسلوكية لا يمكنها أن تحدد ماهية العقل لأن الكثير من الإلهامات والإبداعات الإدراكية ناتجة عن مجالات تفوق طاقة الدماغ والجسد مثل معرفة الذرة في واقع معرفي لا يتوافق مع معرفتها فالمجال المؤثر على بنية الموجودات المادية يعطيها فاعلية لا يمكن تشكيلها في الواقع المادي البحت ويجعل المعرفة تأتي من اختراقات غير كمية وغير مترافقة مع التسلسل الترابطي للوعي الزمني فالتجاوز المعرفي الزمني تجاوز عقلي متفرد عن المستوى العقلي القائم في الواقع العام . ومهما يكن للتأثيرات المادية من قوة الممانعة أو التدمير تظل بعيدة في قدرتها على إلغاء العقل كمثال غاليله وكبرنيكوس لأن المجال الباعث للعقل مرتفع فوق المادية وغير ملتزم بقوانينها فعمقه قائم في الوجود الكلي وخارج إطار الموجودات فالعقل الكلي الباعث يستطيع أن يكون في المكان واللامكان بنفس الدرجة من الحضور لأنه خالي من الغاية وغير مرتبط بهدف إنه التداعي بدون تأخير عالي الحضور بكل المكونات بدون تحديد وغير متصل بالزمان قادر على دمج الزمان بلحظة لأنه خالي من الغاية وغير مرتبط بهدف إنه التداعي بدون تأخير عالي الحضور بكل المكونات بدون تحديد وغير متصل بالزمان وقادر على دمج الزمان بلحظة لأنه امتداد كلي للوجود وغير قابل للقياس بمعايير مادية .











فالطبيعة اللاتوافقية حتى الآن بين العلوم البيولوجية والعلوم الفيزيائية حول طبيعة العقل يتخذ مساراً جدلياً قائماً حول كيفية وجود وعي منفصل عن المادة فعلم البيولوجيا يطرح تساؤلاً مهمّاً بخصوص طبيعة التأثيرات والتبادلات بين المادة والعقل " هل العقل أو الوعي المنفصل عن المادة بشكل تام وكلي ومن طبيعة لامادية قادر على التأثير والتفاعل مع الطبيعة المادية كالمخ إن مثل هذه التبادلات تنقصها الطاقة والعقل منفصل عن الطاقة وليس شكلاً من أشكالها " وتقدم الفيزياء اعترافاً جوهرياً بإمكانية وجود تفاعلات بين ما هو مادي وما هو غير مادي فحقول الاحتمال اللامادية تؤثر على طبيعة التفاعلات الذرية والمحركات الكهربائية قائمة على التأثير بين مجال الكهرمغناطيسي والطبيعة المادية لتنتج حركة وإن التأكيد على تبادل التأثير بين ماهو مادي وما هو غير مادي يقودنا إلى معرفة مغايرة للمعرفة المادية فعندما يتم التفاعل أو التأثير بين كينونتين مختلفتين 1إحداهما لها خصائص تكوينية وأخرى لا تملك خصائص تكوينية فإن المادة ذات الخصائص التكوينية ترسل طاقة جاذبة لاحتواء جزء مخالف لطبيعتها يعطيها إشراقاً ينبثق عنه معرفة جديدة ونوعية أو قفزة ذات ميزة جديدة للتكيف وهذا النمط من التبادل يتوافق مع الأنماط الفيزيائية من التفاعلات بين علاقتين من طبيعتين مختلفتين فالعقل الإنساني لديه إمكانية استشعار وتقييم كلية المكان المتواجد فيه ومحتوى التنبيه فيه قادرة على التقاط المعرفي من محيطه ، ونظراً لكون العقل الكلي الشامل قادر على الارتحال في الزمان ذهاباً وإياباً كما يشاء بنفس الوقت لكونه غير ملتزم بقوانين الطبيعة المادية فإدراكنا لهذا الموضوع في غاية الصعوبة لأن الطبيعة العقلية المستقلة عن الغايات المادية لا تتوافق مع العقل البشري لكونه يميل للتعامل مع الموجودات المادية أكثر بكثير من تعامله مع الطبيعة اللامادية الواعية والقائمة خارج الحواس ، العقل البشري يتعامل مع الموجودات المادية الواعية لأنها توفر له تفاعلاً يخدم مصلحة المادية . ويحتاج لمجهود صعب لتنشيط حواس إدراك الوجود البعيد عن المسافات وغير المرتبط بالزمن .











فالتحديدات والتقييدات المادية المحيطة بالعقل بكل أشكالها الواقعية سواء أكانت صادرة عن الطبيعة المادية المستقلة عن الوعي أو الصادرة عن الوعي الاجتماعي وقوانينه الصارمة لمحاصرة العقل تحجب علينا إحساسنا بطبيعتنا الكونية فإذا كانت عقولنا جزء من العقل الكلي الشامل واللامحدود فلماذا نشعر بمحدوديتنا وانغلاقنا على الذات لماذا نشعر بارتباطنا بالحاضر وانتماءنا المحبوس في الواقع لماذا تظل أجسادنا رهينة التغيرات المادية لماذا نقفل الزمن بوجودنا ونملك شعور بالبرمجة الصارمة محددة بدقة وقابلة للافتراق عن العالم المادي المستمر ومادام العقل الإنساني هو جزء من العقل الكلي الشامل وغير المحدود بالطبيعة المادية فإننا من وجهة نظر العقل الكوني غير محدود ون في الزمان والمكان وغير مرتبطين بالحاضر إننا جزء من كونية متفردة قائمة على الاتساع الشمولي لكامل الوجود وقادرة على التأثير فيه من دون الحاجة إلى معونة المادة إن إحداث علاقة تؤدي إلى التفاعل بين البشر تحدث تغيرات جوهرية في بنية الوجود البشري فإذا كان الوجود المادي لأجسادنا قائم في الزمان والمكان فهذا يدل على أن وجوده المادي تابع لقوانين المادة وملتزم بالخضوع لها وعليه أن يواكب متغيراتها بفاعلية مادية وعقلية قادرة على توجيه مسارها نحو الأرضي للوصول إلى المرحلة الجوهرية مرحلة الاتحاد مع نظام الكون ومعرفة كينونته فشعورنا الدائم بالحبس ضمن مادية أجسادنا يفجر لدينا نظام الاعتقاد بأننا فانون ومحكوم علينا بالموت .











فالشخصية الذاتية المعزولة في الوسط المادي والخاضعة لنظامه المادي الصارم وقوانينه الخاصة يبعد عنها الوعي حول حتمية اندماجها بالعقل الكوني لأن مبدأ اللاتعيين المنطبق على العالم يتيح لنا حرية المعرفة والأداة نظراً لعدم وقوع الكون في مجال محدد وعدم وجود مناطق معزولة فيه فالكون متداخل بكليته ومنسجم مع ذاته تلقائياً وغير مخصص لغايات تدميرية إنه التواجد الكلي في الوجود الكلي من هنا تنبع الحرية الإنسانية لتكون ضرورة ملحة تحدد محتواها في حرية الاختيار اختيار المعرفة واختيار العمل وإن انتقاء التحديدات العائقة لحرية العقل الإنساني تحد من بلوغ العقل للوصول إلى أعلى مستوياته المعرفية وتعيق نظام التفاعل مع طبيعته فالعقل الكوني المنفتح على الوعي لا يحتاج لذاكرة مادامت جميع الأحداث والعمليات في الماضي والحاضر والمستقبل موجوده في وعيه . فالتطور المعرفي والعلمي المتلاحق سيؤكد لنا بصورة لاجدال فيها بأننا كيان عقلي واحد أبدي ولا نهائي . فالمعرفة البشرية في تطورها اللاحق قائمة على التذكر من مخزون العقل الكوني لأنها جزء منه وكلما تعاظمت معرفتها ترتفع اكثر فأكثر للاتحاد مع العقل الكوني الكامل والشامل .





















العقل الكوني حركة كلية تندمج لتبقى متواصلة











الكون واقع كلي متجانس ذاتياً ومرتبط بدنيا ميكية متواصلة ومواظبة مستمرة مبتعد عن التراكمية الجمعية لعناصر مبعثرة وغير متجانسة وتنحصر معرفتنا له على ملاحظة أجزاء معزولة عن بعضها غير متوازنة وغير مقترنة بسياقها الكلي وتداخلها المتصل مع الكون فيتعمق التشويه القائم على الملاحظة المبعثرة لموجودات ينقصها الارتباط والتفاعل على أساس الوحدة الحقيقية لكمالية الكون . فالكون نظام من الحركة المندمجة والمنطوية حافلة بموجات عديدة كهرطيسية وضوئية وإلكترونية وغيرها تؤلف حركة واحدة كلية تندمج على اتصالها المستمر قائمة بلا تجدد ولا موضوعية وغير قابلة للقياس ، إنه نظام متحد في ذاته عمقاً وهو متضمن في العقل المعبر عن الامتلاء الكلي والظاهري لذلك تعد جميع لحظات الزمن واحدة دون ارتباطها بشيء وفي كل لحظة يموت كل شيء ويخلق من جديد ويصبح الآن هو الأبدية واللازماني هو في وحدة غير منفصلة وغير منتهية وهذا يؤكد وحدة العقل المنطوي في الكون ، لكونه مكون في التكوين موحد لا انفصام لذاته كلي مندمج في المحتوى الكوني " فالحاضر هو الشيء الذي لا نهاية له " .











فالكونية هي طريقنا إلى الوجود العميق والمنفتح على الحياة القائمة على الانسجام والتوافق تملك في بنيتها أسس وجودها وتعزز طاقاتها بتحسين ظروفها وتعمل على بقائها وعياً فاعلاً مرتبطاً بعمق الكون الأعظم وترافق السلام الكوني وتتحد معه ومادمنا جزءاً من هذا الوجود ومنطوين تحت كينونته فعلينا أن نتعامل معه على أساس توافقي مدرك لأبعاده في الحاضر نعمق الحياة بالتواصل والاتحاد ونحرص على تأمين سلامة الكوكب من أي خطر يؤذي الحياة ويعيق تقدمها الفاعل لأن الحياة هي حياتنا والكون هو وجودنا الآمن . فالعقل لا يستمد وجوده من شيء لأنه خارج العلاقات والتفاعلات المادية إنه نظام تكميلي لما هو مادي ونظراً لانفصال العقل واستقلاله عن المادة يظل دائماً في اللاشعور يتابع مجريات العالم المادي ينسق نظامه ويعطيه طاقة الإبداع وإن تداخل العقل مع المادي يأتي من الضروريات المكملة للوجود الحي وجميع الصياغات الناتجة عن اللاشعور والمشكلة للضمير والوجدان ناتجة عن العقل فلإنسان لم يدرك مضمونها الحقيقي والفعلي فوضع لها صياغات قائمة العقل البشري والسلوك البشري المحسوس ، فعندما يصل الإنسان إلى مرحلة الوجدان الكامل والضمير الخالص يتحول العقل في وجوده إلى إبداع دائم لأن التقييدات المادية والسطحية تصبح غير ملتزمة للعقل في سلوك مغاير لوجوده وعندما تسيطر التقييدات والتحديدات على مسار العقل تجعل وضعه متضارباً وسلبياً جميع أحاسيسه تتحرك في مستوياتها الدنيا وتتأثر بها وحتى يكون الإنسان خيراً بالكامل يجب أن يتحد بالعقل بشكل كامل ليعمل وفق معطياته لأن العقل لا يعطي إلا الضرورات الضرورات المنسجمة مع قضية الكون الشامل. وفي المنعطفات الدقيقة ذات الدلائل البالغة الخطورة والمؤثرة على قضية التناسق الكوني يتدخل العقل بقوة محدثاً وقفاً قالباً ومرمماً لهذه المنعطفات وأي قرار ونظام لا يتوافق مع نظام الكون الكلي سيرافقه
احتجاج .











فالتداخل المؤثر لنظام الكون الكلي يخلق واقعاً محكماً ومتفقاً مع وجوده لأنه ينسق الحياة ويجعلها متداخلة مع ذاته إنه يطورها وفقاً لحاجاته ، فالخطر على الحياة قد يأتي عن الذاتية المستغرقة في فرديتها وأنانيتها وعندما يصل الخطر إلى الحد الفاصل لوجودها عن الوجود الكوني يتدخل العقل مغيراً نظام وجودها أو حازفاً هذا الوجود بما ينسجم مع سلامة العقل وعندما يصل العقل الإنساني إلى مستوى منحط من النظام الجماعي للوجود تنبثق المسائل القادرة على إزالة هذا الخطر وتصحيح مجراه من خلال الوعي الضمني المتشكل ويرتفع الوعي إلى مجال أوسع موجهاً الذات الإنسانية للاندماج مع العقل في جميع أجزاء الكون حتى يتم تأمين مسير الكينونة المنظم وتحفيز عناصر الأمان في وجودها وفي علاقاتها المتفاعلة مع نظامه الخاص وإن جميع الإجراءات المادية والانتهاكات الغير مدرجة والغير مؤثرة على الوجود الكياني لكينونه الوجود تمضي دون أن يواجهها العقل أو يتدخل في مسارها العام وهذا ما يجعل الواقع البشري يمر في اختناقات وأزمات متغيرة تؤثر على الكيان المادي للإنسان دون إحداث خلل طبيعي في نظام الوجود الكوني وعندما يتركز التأثير البشري لإحداث خلل طبيعي في طبيعة الحياة تنبثق قوى كونية جبارة تقوم بواجب التأديب لتعيد إلى الكون نظامه
الحقيقي .





















مدلولات العقل والعقل البديل



























يمكن الاستدلال عن العقل من خلال البنية المفاهيمية للمعرفة الإنسانية ، فالعقل الفردي هو العقل المعبر عن الوجود الشخصي والعقل الاجتماعي هو العقل المعبر عن الإنتاج الفكري المجتمعي لمجتمع معين والعقل الإنساني هو العقل الموسع المعبر عن المعرفة الإنسانية بكل مناحيها القائمة . فالعقل ينبعث جوهرياً ليدفع الوجود نحو غاياته وفي واقع المتغيرات المعرفية للمعارف الإنسانية وتنوع الأفكار يظهر العقل كصيغة مفاهيمية غير غائبة مستدركة بالنقل والتبني والاكتساب وإدراك المواقف على أنها أصولية ناتجة عن ضرورة البقاء في شكل الوجود المحقق وسير الوجود على أساس التعقل ، فالعقل في واقع المجال المحدد هو منطق العقل المدرك والمتلازم مع ماهية العقل المرتبط به ، فالإدراك الواقعي يلتزم بما أسسه وحققه العقل الاجتماعي التاريخي فلو تحقق أي واقع غير ما حققه لكان وجوداً عقلياً وإدراكاً معقولاً لواقعيته ، فكل المتحققات مرغوبة من محققيها وكأن الفكر يبجل الأعمال العقلية المرتبطة بالضرورات المادية . فالعقل الاجتماعي لا يدرك الإدراك الفاعل أبعاد نتائج إسقاط حقائقه بفاعلية على عقل مغاير ومن أجل أن تكون عقولنا قادرة على فهم العقول المغايرة من خلال وجودنا ودون الوصل إلى ضرورة المضايقة الفعلية لكل ما يخالف وجودنا المعقلن على أساس وعينا ، علينا أن نفهم الأخر من خلال موقعه العقلي والنظام المفاهيمي
لكل محتويات البناء العقلي في وجوده فالوعي المنفتح على الكون بكل ما فيه من عجائب يجعل المفاهيم تنقلب دوياً وتتغير تلقائياً بفضل المتغيرات الجارية داخل البنية العقلية لعقلانية المعارف المأخوذة كإنتاج محلي مغلق يريد مواجهة الوجود المعاكس لوجوده بفضل الاستقرار النسبي لمرحلة عقلية ظلت قائمة بفضل معقوليتها . وهذا يؤكد عدم غائية المعارف العقلية فالغاية تنحصر فقط في عقولنا المحدودة ، فالمعارف تظل كمعارف قائمة بذاتها ولا تقوم بتوجيه العقول وإنما العقول هي من تقوم بتوجيه المعارف وفق غاياتها وأغراضها .






فالتحول نحو العقل الواحد هو غاية عظمى ترفع الوعي إلى مستوى الشمول الكوني ، إن وعي الحوادث في تحققها إنجاز قائم على وعي الصدفة ، فالولادة هي اتحاد بيضة مع نطفة في لحظة التحقق ، فالقدرة الحيوية فاعلة في كل الحيويات غير أن الاتحاد قام بناءً على عقل ضمني فتح اختياراً واحداً
أحدث وجود حياة . فالحقيقة العقلية قائمة على الذات اللحظية للانفتاح المتسع والكلي ، قادرة على الظهور كحقيقة مسلم بها وعند الوصول إلى الحقيقة المكتملة تظهر وكأنها قائمة بذاتها خارج العقل المؤدي إلى وعيها فالتحديد واللا تحديد مرتبطان بشكل واقعي فهل يمكن لأي معرفة مهما بلغت من الدقة أن تقوم بمعرفة المحددات في واقع لا يحددها كيف يمكن أن تحدد الموجودات دون ربطها بأخرى مغايرة لها وهل توجد محددات معزولة ، ما دام الكون متحد في ذاته فالجزء نابع من الكل والكل هو وحدة الجزاء ، فالعقل هنا مرتبط بالجسم دون أن يحدده فلو استطاع الجسم تحديد العقل لكان قادراً على تحديد جميع العقول
وبالتالي تحديد العقل الكلي لها جميعاً وهذه غير محقق لأن العقل الكلي لا زماني ولا مكاني ولأنه غير محدد فلا يمكن لعقل محدود أن يحدده وإن صياغته المقولة بشكل محكم يظهر العقل المفرد متضمن في العقل الكلي ومهما تزايدت جميع العقول الفردية فإنها لا تساوي غير جزء بسيط من العقل الكوني ، من هنا يمكن القول كلما زاد المحتوى الضمني للعقول الجمعية زاد تفاعلها مع العقل الكلي وارتفع مستواها في العقل الكلي وأصبحت أكثر دراية له ، فالتضمن الكلي لا يتيح الفصل لأن فالعقل الكوني والعقل الإنساني يشتركان في الوعي ذاته ولا يمكن تحديدهما إلا بالسعة ، فالعقل الكوني واسع الوجود وضامن له بالشكل الكلي أما العقل الإنساني فإن سعته متضمنة بالسعة الكلية ومعبرة عنها إنهما يتبادلا التأثير في وجودهما القائم في الوجود الكوني دون أي انتقاص للمكانة العقلية الناتجة عن التبادل ،فالكل ناتج عن الضرورة العقلية للوجود .






فالعقل الكلي عقل واحد متاح في كل العقول نظراً لتلازم الشرط العقلي في ماهية الأشياء لأن طريقة تعبيرها عن الكينونة طريقة عقلية متضمنة بوعي المحتوى والعلاقة التبادلية في النظام الكوني .






وبالنظر إلى عمق البنية المادية للدماغ يتضح بأنها بنية متحدة في كتلة منظمة بفاعلية قياسية شديدة الدقة لكنها ليست وعياً بل مادة تلازم تغيرات الوعي في بنيتها وإن انتهاء مدتها لا يؤثر على جوهر العقل وطاقته فالعقل كامل وشامل أما الدماغ يتطور ويتغير فالنمو العضوي للدماغ يرفع جاهزيته لتلقي الوعي العقلي فالمجموع العقلي للواقع البشري كل متحد ضمن انفصال عضوي متعدد الفهم للوعي الكوني فيظهر العجز السلوكي نظراً لضعف إتمام الدمج الفكري لوعي العقل الكوني .






ما يعطي الوجود معنى هو التوافق والتناغم في مجريات الكون المنسجم مع عقله وعندما يتحدد المجال يتحدد العقل بالتوافق مع مجاله فكل مجال له عقله الخاص ، فالعقل الأرضي يتحدد وعيه بمجاله القائم يربط وعي الظواهر بمجرياتها ويستوعب المعرفة في إطارها المحدد في هذا المجال ، فالظواهر المرتبطة به يستشف منها المعرفة المتحدة في بنيتها وحركتها ، فالزمان العقلي في المجال الأرضي هي الظواهر المتعاقبة في نظامه ، فالزمان هو ارتباط الظواهر بسلوك معين يظهر على شكل سلسلة جميع حلقاتها متماسكة ومنسجمة في اتحاد أبدي ، فالعقل ضمن مجاله المحدد يعيش زمان نمطي مرتبط بالظواهر القائمة في وجوده وعندما يرتفع العقل عن مجاله يختفي وعيه المجالي لينسجم مع منظومه مغايرة لمحتوى بنيته وعندما يتوهج بمعرفة غير نابعة عن المجال يظهر وكأنه خرج عن وجوده ورحل بعيداً عن الزمن متحداً مع العمق الكوني خارقاً جدار المعرفة في المجال الأرضي فيحدث الإشراف المتحد مع توهج العقل الكوني ويحتقر الانغلاق في المجال المحدد والمقيد وهذا ما يجعل الأفعال والتصرفات وجميع أنواع السلوك والأهداف والغايات عديمة الأهمية ، كونها مخالفة لنظام المعرفة المرتبطة بالعقل الكوني ولأنها مقيدة بالوجود المادي و خاضعة لتأثيره وفي عالم العقل لا يوجد غير الظواهر المعبرة عن وجوده .






فالعقل المرتبط بالجسد عقل كياني في مجراه العام لأن المنظومة المنطقية المتبعة في وجوده صادرة عن مجراه المحدد وخاضعة لنظام المجال الحاضن له ، ومهما بلغت المنظومة المنطقية حد الامتلاء في نظامه تظل قاصرة عن إدراك الحقيقة الكاملة .






ولا يعني بأن الحقيقة الكاملة غير قابلة للإدراك بل لأن العقل المدرك غير منفتح على مجالها ، فالعقل البشري قابل للانفتاح على مجالات الوعي المختلفة والمتغيرة والمتسعة ، ولكن عليه أن يتحرر من كافة القوالب المكدسة في وجوده ، عليه أن يرفع غطاء التاريخ من وعيه وأن يخرج وعيه من جميع أشكال القيود المادية ، عليه أن يحرر الفكر من كل التزاماته الواقعية حتى يكون وعيه قابلاً للانطباق مع الوعي الكوني ويكون قادراً على إخراج عالمه القائم من جميع الاشكالات والمساوئ والخلافات ، ويتحرر الفعل والعقل من الخلفيات الغير منظورة في بنية العقل المقيد ، لأن جميع الخطط الناتجة عن العقل المقيد وجميع التوقعات القادمة للحياة لن تستطيع الإفلات من الصعوبات والخلافات مادامت تحدد في طياتها غايات سلبية أو إيجابية نظراُ لعدم استقلالية العقل البشري المجرد عن وجوده المادي ، وعندما تصل اللحظة ، لحظة العقل المنفتح سيخرج عندها الفكر مخالفاً كل مضامينه منذ البداية وحتى وعي اللحظة .






وما دام العقل البشري يعمل لتحديد مستوى العقول والبشر ويسعى لبرمجتها ستبقى جميع المعارف المستخدمة لتحقيق هذه الأهداف خاطئة ، وما دام البشر يعملون لإلغاء مظاهر المعرفة المتنوعة والصادرة عن العقل لن يكون هناك شيء اسمه حقيقة ومادام يوجد في عالمنا شيء اسمه سيادة ستبقى الجهود مستمرة لقطع المجال أمام حياة الغير وسيبقى العالم قائماً بلا حياة حرة ومنسجمة مع ذاتها وستبقى الحياة الإنسانية مهددة إلى الأبد .






فالعقل المانع عقل سلطوي يمارس وجوده من مصدر نفعي وغير قادر على الاتحاد مع ذاته والتحرر من وعيه ويظل صامتاً بلا فاعلية لأنه يعتمد في أساس وعيه على وعي غيره ويبقى مرهوناً بالاتجاه النمطي المعزز بمعرفة مأخوذ من وعي عقل سابق تشكلت لإحلال صيغة عقلية ناهضة بالوعي لرفع واقع أصبح يعاكس نفسه فصمم عقله الناهض بوعي نوعي تمازج العقل فيه لدرجة الانصهار ولم يعد قادراً على تشكيل عقل فاعل فانطوى على ذاته متكئاً على وعي العقل السابق فاضمحل وغاب عن ماهيته مستسلماً لوجود قدري محتوم زاح عنه بريق الإشراق وخضع لنظام الطاعة العمياء .






المرجع المعتمد :






مقال العقل في منظور ثلاث علماء – ندوة اليازجي – مجلة المعرفة – العدد 454 – تموز 2001 – وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية .